العلاقة بين كولونيا المدينة وكولونيا العطر

كلونيا

يعود تاريخ ماء الكولونيا الشهير، أو ما يعرف بعطر الكولونيا إلى بداية القرن الثامن عشر. في حينها كانت مدينة كولونيا الألمانية من أكبر العواصم الأوروبية وتعيش نهضة صناعية وتجارية لا مثيل لها. وبمثل ما ارتبط اسم مدينة كولونيا باسم الكولونيا أو العكس صحيح، أقترن ماء الكولونيا بمخترع هذا العطر الفواح وهو يوهان ماريا فيرينا الذي جاءت أسرته من إيطاليا لتستقر في مدينة كولونيا وتمارس فيها التجارة، حيث أقامت في أحد أحيائها التجارية محلا تجاريا تحول فيما بعد إلى شركة تحمل اسم العائلة، عائلة فيرينا، وذلك في عام 1709م.
وقام آنذاك العطار يوهان ماريا فيرينا بتولى جانب العطور في شركة العائلة، حيث حمل معه من إيطاليا فن صناعة العطور التي تميزت بها عائلته. وأطلق على ماء العطر الذي كان يصنعه فيرينا أوي دي كولونيا FARINA EAU DE COLOGNE تكريما لوطنه الجديد كولونيا. وهو الماء الذي أخذ فيما بعد شهرة عالمية ولا زال يحمل حتى اليوم اسم الكولونيا وإن تنوعت أشكاله وتغيرت وصفاته وخلطاته بمرور الزمن. ويوجد حاليا متحفا في مدينة كولونيا يضم ما تبقى من هذه العائلة وطرق وأدوات صنع ماء الكولونيا. لقد كان فيرينا فيلسوفا في مجال تخصصه، فقد وصف العطر الذي ابتكره وهو لا يعلم أنه سيدخل به مع مدينة كولونيا التاريخ قائلا ” لقد وجدت عطرا يذكرني بعليل صباح يوم ربيعي جميل في إيطاليا وبرائحة النرجس الجبلي والبرتقال بعد المطر. هذه الرائحة تنعشني وتقوي لدي الحواس والخيال”.
(يوها ماريا فيرينا، مبتكر ماء كولونيا الشهير) و لم يكن فيرينا مجرد تاجرا روائح وعطور، بل كان عالماً وحكيماً في هذا المجال شأنه شأن العطارين الذين كانوا يجيدون فن وعلم العطارة في آن واحد. ولا زالت الكتب والمخطوطات التي خلفها العطار الإيطالي والموجودة في متحف عائلة فيرينا في كولونيا شاهدة ليس فقط على إتقانه لحرفته، بل على فلسفته وذوقه الرفيع والمرهف للروائح والعطور. وانتشرت رائحة ماء الكولونيا وسمعته بسرعة بسبب نقائه وجودته، لاسيما في أوساط الطبقات الغنية والنبلاء ليس في أوربا فحسب، بل في العالم بأسره. وكان استعمال ماء الكولونيا مدعاة للتفاخر الاجتماعي ودليلا على الغنى. وكانت قنينات ماء الكولونيا تخرج من مصنع عائلة فيرينا في مدينة كولونيا لتذهب إلى صالونات وقصور الأغنياء والقياصرة والأمراء في أوربا، مثل قيصر النمسا وملكة بريطانيا وشاه إيران. ويحكى في الأساطير أن نابليون بونابرت أمر بصنع حذاء له بحيث يترك فيه مكانا لقنينة صغيرة لماء الكولونيا.
” لا يصلح العطارما أفسده الدهر” وشجع النجاح الذي حققه على التوسع في صناعة العطور، بحيث ظهر عام 1792 نوعا جديدا من ماء كولونيا يحمل ماركة ” 4711 ماء كولونيا الأصلي” وهو رقم المنزل الذي كانت فيه الشركة التي صنعت هذه الماركة وهي شركة مولهينز التي انحدرت من شركة فيرينا. ويشهد هذا الرقم على الاحتلال الفرنسي للمدينة والذي قام لأول مرة في تاريخ المدينة بترقيم المنازل. ومع دخول المستحضرات الكيميائية وتطور وسائل صنع العطورات تراجعت أهمية وسمعة ماء الكولونيا وتم بيع الشركة في نهاية الأمر إلى شركة أمريكية للمنظفات عام 2004. ومع أن ماء أو عطر أو زيت الكولونيا ما زال موجودا في الأسواق وما زال هذا العطر الكلاسيكي معروفا لدى الكثيرين حتى أن البعض يطلق على كل أنواع العطور اسم الكولونيا، إلا أن العطور الحديثة طغت على ماء الكولونيا التي تراجعت إلى الخلف، كما أن العطار عموما أضحى جزء من التاريخ ولم يعد بمقدوره إصلاح ما أفسده الدهر، كما يقول المثل العربي الشهير! .

المصدر : (دويتشه فيله) 22.07.2007

Loading